فبرز من الديلم الذين في جملة منجوتكين شيخ في يديه ترس وثلاث زوبينات ورمى بنفسه إلى الماء والمسلمون ينظرون إليه والروم يرمونه بالنبل والحجارة وهو يسبح قدما والترس في يده والماء إلى صدره. ركب إلى المسجد الجامع في يوم الجمعة بزيّ أهل الوقار، واجتاز في البلد بسكينة وبين يديه القرّاء وقوم يفرّقون الدراهم على أهل المسكنة، وصلّى الجمعة وعاد إلى القصر الذي نزله بظاهر دمشق، وقد استمال قلوب العامة بما فعله. فلمّا وصل الكتاب إليهم خافوا وخرجوا إلى عليّ مذعنين بالطاعة ومنكرين لما فعله أهل الجهالة فلم يعبأ بقولهم وزحف إلى باب البلد، فملكه وأحرق وقتل وعاد إلى معسكره. وأقام سعد الدولة بظاهر حلب أيّاما ليرتّب أموره ويتبع العسكر الذي تقدّمه، فعرض له القولنج أشفى منه وعاد إلى البلد متداويا وأبلّ وهنّئ بالسلامة. ثم نظر في الظلامات وأطلق من الحبوس جماعة من أهل الجنايات، فازدادوا له حبّا واستقرّت قدمه واستقام أمره. أما أنا، فالمصيبة التي منيت بها جعلتي أتوقع أسوأ الكوارث، فتوقعت أن أجد أقاربي كلهم موتى وبيتي مدمراً فأبقى خالياً وحيداً على وجه الأرض بلا زوجة ولا بيت ولا أهل ولا أصدقاء.

وكان رداؤه مفصلاً كي يلاصق جسمه، ومن تفصيله يتضح أن القماش في بلده نادر وباهظ الثمن، وكان سرواله ضيقاً بصورة مخجلة حقاً. فانبثّت العرب في طلبه وأدركه علي بن الجرّاح فأسرّه وجاء به إلى أبي تميم فسلّمه إليه وقبض المال منه. فحمل إلى مصر وأبقى ابن عمّار عليه واصطنعه وأحسن إليه استمالة للمشارقة بذلك. لمّا وصل الخبر إلى ابن عمّار بما فعله منجوتكين عظم عليه وجمع وجوه كتامة وأخبرهم بما تجدّد، وأظهر أنّ منجوتكين قد عصى على الحاكم فبذلوا الطاعة والانتهاء إلى ما يأمرهم به. أما الغنم والماعز فكانت قد انطلقت في مسيرها بقيادة كلاب الرعي والرعاة يمشي أحدهم في مقدمة القطيع والباقون في مؤخرته. وقد كان أبو الحسن المغربي بعد حصوله في المشهد بالكوفة كاتب صاحب مصر وصار بعد المكاتبة إلى بابه. وسار أبو تميم من مصر ورحل منجوتكين من الرملة بعد أن ملكها والتقيا بعسقلان وتواقعا. وظهرت ملامح الشاب الرجولية بكامل جمالها بعد أن ارتاح وأفطر وأضاءت الشمس البقعة التي كنا جالسين فيها.

وكان حاكم يريفان الذي يحمل لقب السردار، أي اللواء، ومن أفضل القادة العسكريين لدى الشاه، قد افتتح الحملة من زمان بهجمات متفرقة على المواقع الأمامية للعدو وبتدمير القرى والأرياف على طول الطرق التي يرجح أن يسلكها العدو في حال قرر التقدم نحو بلاد فارس. وبعد أن وضبها كلها وبدا أن التعامل بيننا قد انتهى تماماً، قال: دراق 5 «أشعر بمودّة نحوك، ولذا سأفعل من أجلك ما لا أفعله من أجل أخي: سأعطيك إياها مقابل عشرة تومانات.» فرفضت مرة أخرى، فبقينا نتساوم حتى اتفقنا على أن أدفع له ستة، فسددتها فوراً فاستلمها وهو يقسم أنه خسر مثلها، وأعطاني أغراضي ثم انصرف. ثم قال جلالته أنه دعا إلى مجلسه حكيم باشي، أي كبير أطبائه، والذي قام، مدفوعاً بحرصه على مصلحة البلاد، بالتفكير ملياً بوصفة الأجنبي، وأفصح عن عدد من التحفظات النابعة من الشكوك والمخاوف التي خطرت على باله، وهي أولاً إن كان من الحكمة تسليم التدبير الباطن لشخص الملك إلى توصيات ووصفات أجنبي، وثانياً أنه من الوارد أن العقار الموصوف قد يتصف بخصائص مؤذية خفية من شأنها أن تقوض وتضعف - وقد تدمر - شخص الملك الذي كان من المفترض أن تجدده وتقويه. وعارضته علل كثيرة أيس منها من نفسه فأوصى إلى أرجوان الخادم الذي كان خصيصا به ومتولّيا لأمر داره، بولده المتلقّب بالحاكم من بعده، ثم قضى نحبه.

وقد كان في نفس الحاكم ما جرى على عساكر مصر بباب حلب. وأنفذ لؤلؤ في أثناء هذه الأحوال ملكوثا إلى بسيل عظيم الروم معاودا لاستنجاده. وأرجوان في أثناء ذلك يحرس الحاكم ويلازمه ويمنعه الركوب والظهور من قصره. ثم ذكر تغلّب ابن عمّار على الملك وسوء سيرته وما يلقاه أئمّتنا المقيمون بمصر من الذّلة والهوان، وبكى بكاء شديدا رقّت له القلوب وخرّق ثيابه واقتدى الناس به في البكاء وتخريق الثياب وأجابوه إلى الطاعة وبذل المهج من غير التماس عطاء ولا مؤونة. فلمّا عزله عن طرابلس مضى إلى مصر وجها واحدا واجتمع مع أرجوان سرّا ورمى نفسه عليه فقبّله وبذل له المعاونة. وأحضر أرجوان وشكر العضدي واستمالهما واستحلفهما على المساعدة والمعاضدة، فحلفا له اضطرارا. وقام أرجوان بأمر الحاكم ودعا الناس إلى البيعة وحالفهم على الطاعة وأطلق لهم العطاء وذلك في شهر رمضان سنة ستّ وثمانين وثلاثمائة، وانكفأ الحاكم إلى قصر أبيه وهو يومئذ ابن خمس عشرة سنة. لمّا رأي لؤلؤ هزيمة الروم وقوّة العساكر المصرية وضعفه عن مقاومتهم كاتب أبا الحسن المغربي والقشوري ورغّبهما في المال وبذل لهما منه ما استمالهما به، وسألهما المشورة على منجوتكين بالانصراف عن حلب في هذا العام والمعاودة في القابل لعلّة تعذّر الأقوات والعلوفات.

If you loved this article and elfbar 10000 you simply would like to receive more info with regards to vape kindly visit our own internet site.